العولمة- من وعود "العالم مسطح" إلى واقع التمزق والتحديات
المؤلف: حسين شبكشي09.11.2025

عندما أطلق الكاتب الأمريكي اللامع توماس فريدمان كتابه الرائج ذائع الصيت "العالم مسطح"، كان هذا الكتاب بمثابة ترويج للعولمة الشاملة والمتكاملة، حيث يصبح العالم عبارة عن شبكة مترابطة ومتواصلة، عالم تتجسد فيه حرية تنقل الأفراد وسلاسة انتقال الأفكار وتدفق رؤوس الأموال دون قيود. وقد سبق هذا الكتاب، كتاب آخر حقق بدوره مبيعات مذهلة ومكانة مرموقة بعنوان "اللكزس وشجرة الزيتون"، والذي كان يتبنى فكرة مفادها أن ازدهار الاقتصاد والرخاء المصاحِب له يشكلان ضمانة أكيدة لتحقيق السلام المنشود. لعب توماس فريدمان دوراً ترويجياً محورياً، وكان من أبرز الداعمين المتحمسين لفريق الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في ذلك الوقت، وذلك من خلال مقالات الرأي التي كان ينشرها في صحيفة النيويورك تايمز، بالإضافة إلى المقابلات التلفزيونية المتنوعة والمشاركات الفعالة في المنتديات والمؤتمرات الدولية، حيث كان يكرر ويؤكد على أن العولمة هي الحل الأمثل لكافة المشكلات والتحديات التي تواجه العالم على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكان يؤمن بأن العولمة ستقضي على الحروب وتُرسخ التعايش السلمي وتوزع الرخاء وتنشر السلام في كل مكان. لقد تعامل الناس، أو بالأحرى شريحة واسعة منهم ممن يمارسون التجارة الدولية، مع ما صرح به فريدمان على أنه بمثابة نبوءة موثوقة ووعد قاطع، والتزموا به عن طيب خاطر. كان وعد فريدمان بسيطاً وواضحاً، حيث أكد أن العولمة المترابطة تقنياً والمتواصلة تجارياً سترفع مستويات الدخل في أغلب دول العالم، وستخلق فرصاً جديدة للعمل والاستثمار والابتكار والتعايش المثمر بين مختلف الشعوب والأمم. ولكن، وبعد مرور عقدين من الزمن على وعد "العالم المسطح"، يبدو أن الواقع المرير يختلف تماماً عن تلك التوقعات الوردية. وبتعبير أدق، يمكن القول إن العالم قد تمزق وتشتت، وأصبح عبارة عن كتل متنافرة ومتباعدة، تسودها حالة من التأهب والترقب. لقد ساهمت في هذا التحول الجديد والحاد عوامل متنوعة ومتعددة، تجسدت في مجالات التنافس الجيوسياسي الحاد، وتفاقم أوجه عدم المساواة الاقتصادية، وتصاعد الأزمات المناخية المتفاقمة، بالإضافة إلى الانتشار المدمر لوباء فيروس كوفيد 19 وتأثيراته العنيفة، والحرب الكبرى الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والحرب التجارية الشرسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وقوى أخرى.
نشهد حالياً حالة واسعة النطاق من إعادة التموضع الصناعي، والتي تؤثر بشكل دقيق وعميق وواضح على تكلفة المنتج، وعلى مدى اعتمادية سلاسل الإمداد التقليدية. وهناك فجوة تقنية جديدة تلوح في الأفق، وهي فجوة قوية وغير مسبوقة، قوامها الأساسي يتمثل في الذكاء الاصطناعي، الذي يتركز حالياً وبشكل رئيسي في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول، تليها الصين. لقد فشل نظام العولمة في تحقيق وعوده المعسولة والحفاظ على الأحلام الوردية، ليتضح مدى هشاشته وقابليته للتأثر بالأخطار والتهديدات المختلفة، مما يبرز أهمية المجتمعات المحلية التي تشكل بديلاً، ولو مؤقتاً، للاعتماد على الذات في مواجهة التحديات المستجدة. وهذا يشبه إلى حد كبير الوصف الذي تبناه بقوة الكاتب الفرنسي سيريل ديون في كتابه "الغد: عالم جديد يصنع". ولكن هل يمكن للعالم، بعد أن تذوق حلاوة العولمة وميزاتها، أن يعود إلى جزر منعزلة ومتناحرة؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة بكل تأكيد.
نشهد حالياً حالة واسعة النطاق من إعادة التموضع الصناعي، والتي تؤثر بشكل دقيق وعميق وواضح على تكلفة المنتج، وعلى مدى اعتمادية سلاسل الإمداد التقليدية. وهناك فجوة تقنية جديدة تلوح في الأفق، وهي فجوة قوية وغير مسبوقة، قوامها الأساسي يتمثل في الذكاء الاصطناعي، الذي يتركز حالياً وبشكل رئيسي في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول، تليها الصين. لقد فشل نظام العولمة في تحقيق وعوده المعسولة والحفاظ على الأحلام الوردية، ليتضح مدى هشاشته وقابليته للتأثر بالأخطار والتهديدات المختلفة، مما يبرز أهمية المجتمعات المحلية التي تشكل بديلاً، ولو مؤقتاً، للاعتماد على الذات في مواجهة التحديات المستجدة. وهذا يشبه إلى حد كبير الوصف الذي تبناه بقوة الكاتب الفرنسي سيريل ديون في كتابه "الغد: عالم جديد يصنع". ولكن هل يمكن للعالم، بعد أن تذوق حلاوة العولمة وميزاتها، أن يعود إلى جزر منعزلة ومتناحرة؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة بكل تأكيد.